قصص الأنبياء
 
 
آدم عليه السلام
إدريس عليه السلام
نوح عليه السلام
هود عليه السلام
صالح عليه السلام
إبراهيم عليه السلام
شعيب عليه السلام
ذرية إبراهيم عليه السلام
يوسف عليه السلام
أيوب عليه السلام
ذا الكفل
يونس عليه السلام
موسى عليه السلام
ذكر بعض الأنبياء عليهم السلام
داود عليه السلام
سليمان عليه السلام
ذكر جماعة من أنبياء بني إسرائيل
زكريا و يحيى عليهما السلام
عيسى بن مريم عليه السلام
قصص الانبياء - ابن كثير
 
مقدمة

قصص الانبياء - ابن كثير ج 1
قصص الانبياء
ابن كثير ج 1

قصص الانبياء للامام أبى الفداء إسماعيل بن كثير 701 - 774 ه تحقيق مصطفى عبد الواحد الجزء الاول يطلب من دار الكتب الحديثة 14 شارع الجمهورية بعابدين ت: 916107 الطبعة الاولى 1388 ه - 1968 م مطبعة دار التأليف 8 شارع يعقوب بالمالية بمصرإت 21825 بسم الله الرحمن الرحيم تقديم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
وبعد.
فهذا كتاب " قصص الانبياء " للامام ابن كثير أقدمه لامتنا الاسلامية، راجيا أن يكون في نشره في هذه الصورة المحققة ما ييسر النفع وما يقدم هذا الجانب من ترائنا الاسلامي في صورة دانية إلى الكمال قريبة إلى الحقيقة دقيقة في العرض ممحصة الروايات والاخبار.
وهذا القسم هو جانب قصص الانبياء من كتاب البداية والنهاية لابن كثير، وقد رأيت من الخير نشره مستقلا، بعد أن نشرت له من قبل قسم السيرة النبوية وشمائل الرسول، بعد أن تبينت من كلام ابن كثير في تفسيره ومن كتب التراجم أنه كان لابن كثير سيرة مطولة، ورجحت أنه ضمنها في كتابه " البداية " الذى ألفه في آخر عمره.
وقد رأيت أن قصص الانبياء موضوع جدير بأن يفرد بالعرض وأن ينال من العناية ما نالته السيرة النبوية، إذ أن تاريخ النبوة حلقات متصلة لابد من اكتمالها ومن وضوح صورتها في الاذهان للتقرر الحقيقة

الانسانية والتاريخية ولتتجلى الحكمة التى قصد إليها القرآن الكريم من اهتمامه بإيراد هذا القصص في موضع بارز يهدف إلى وضوح العبرة وضرب المثل وإيجاز حركة التاريخ الانساني وبيان سنته من خلال عرضه لقصص الانبياء.
وقد كان لابن كثير في قصص الانبياء بلاء مشكور ومنهج حكيم استطاع به أن يقرب الصورة القرآنية لقصص الانبياء، وأن يعكس التصور الاسلامي لتاريخ النبوة وحياة المرسلين.
وقبل أن نتحدث عن الكتاب ومنهجه نوجز القول في مؤلفه ونلم بشئ من أخباره.
ابن كثير: (1) هو أبو الفداء عماد الدين إسماعيل، بن عمر، بن كثير، بن ضوء، ابن كثير، بن زرع، القرشى الشافعي.
كان أصله من البصرة، ولكنه نشأ بدمشق وتربى بها.
ولد بمجدل القرية، من أعمال مدينة بصرى شرقي دشق سنة
سبعمائة أو إحدى وسبعمائة.
وتوفى بعد أن فقد بصره في يوم الخميس السادس والعشرين من شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة، عن أربع وسبعين سنة.
__________
(1) ترجمته في شذرات الذهب 6 / 231، والدرر الكامنة 1 / 374 وذيل تذكرة الحفاظ للحسيني 58 ; وذيل الطبقات للسيوطي.
(*)

نشأته: كان أبوه خطيبا لقريته، وبعد مولد ابن كثير بأربع سنين توفى والده، فرباه أخوه الشيخ عبد الوهاب.
وعلى هذا الاخ تلقى ابن كثير علومه في مبدأ أمره.
ثم انتقل إلى دمشق سنة 706 في الخامسة من عمره.
شيوخه: كان ابن كثير في دراسته متجها إلى الققه والحديث وعلوم السنة، إذ كانت الوجهة الغالبة في عصره، وشيوخه في هذا الباب كثيرون.
فقد أخذ الفقه عن الشيخ برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحمن الفزارى الشهير بابن الفركاح المتوفى سنة 729.
وسمع بدمشق من عيسى بن المطعم، ومن أحمد بن أبى طالب المعمر الشهير بابن الشحنة، المتوفى سنة 730، ومن القاسم ابن عساكر وابن الشيرازي وإسحق بن الآمدي ومحمد بن زراد.
ولازم الشيخ جمال يوسف بن المزكى المزى صاحب تهذيب الكمال المتوفى سنة 742.
وقد انتفع به ابن كثير وتخرج به وتزوج بابنته.
كما قرأ كثيرا على شيخ الاسلام تقى الدين ابن تيمية المتوفى سنة
728، ولازمه وأحبه وتأثر برأيه، وفى ذلك يقول ابن العماد: " كانت له خصوصية بابن تيمية ومناضلة عنه، واتباع له في كثير من آرائه، وكان يفتى برأيه في مسألة الطلاق وامتحن بسبب ذلك وأوذى ".

ويقول ابن حجر: " وأخذ عن ابن تيمية ففتن بحبه وامتحن بسببه " كما قرأ على الشيخ الحافظ المؤرخ شمس الدين الذهبي محمد بن أحمد ابن قايماز المتوفى سنة 748.
وأجاز له من مصر أبو موسى القرافى والحسيني وأبو الفتح الدبوسي، وعلى بن عمر الوانى وموسى الختنى وغير واحد.
وقد ولى ابن كثير مشيخة أم الصالح والتنكزية بعد إمامه الذهبي، كما ذكره الذهبي في مسودة طبقات الحفاظ (1).
عصره: عاش ابن كثير في القرن الثامن الهجرى من مطلعه إلى قرب منتهاه، في ظل دولة المماليك التى كانت تبسط سلطانها على مصر والشام.
وقد شهد عصره نكبات شديدة من هجوم الافرنج والتتار، وكثرة الاوبئة والمجاعات وتقلب السلطة بين أمراء المماليك الذين كان بعضهم يوالى الانتقاض على بعض.
ولكن تلك الحقبة كان يسودها نشاط علمي تمثل في كثرة المدارس واتساع نطاق التعليم والتأليف، ولذلك أسباب مذكورة في كتب التاريخ من تنافس الامراء ورصد الاوقاف على العلماء والطلاق واتصال الافطار الاسلامية بعضها ببعض، وغير ذلك.
وقد كان ذلك النشاط محصورا في دائرة ضيقة من الاتباع والتقليد
__________
(1) ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني 58.
(*)

فاهتم العلماء بالتلخيص والاختصار أو الشرح اللفظى والتقرير.
كذلك انصرف التعليم في جملته إلى العلوم الشرعية وما يتصل بها.
ويبدو تأثر ابن كثير باتجاهات عصره في انصرافه إلى علوم القرآن والسنة والفقه أو العلوم الشرعية بوجه عام، ففى بعض مؤلفاته اختصار لكتب الافدمين وإدماج لبعضها في بعض وتعليق عليها، كما سيتضح ذلك من النظر في كتبه الباقية.
غير أن ابن كثيرا كان إماما مجددا في جوانب أخرى من تأليفه، فهو في التفسير إمام وصاحب مدرسة ينفر من الاسرائيليات والاخبار الواهية، ويضيق بالتفلسف وإقحام الرأى في كتاب الله ويؤثر منهج تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالحديث والاثر.
ويرجع جانب التجديد فيه إلى صلته بابن تيمية، وحبه له وتأثره بآرائه، فقد كان ابن كثير كأستاذه ابن تيمية بعيدا عن الخرافات حريصا على الرجوع إلى السنة، يعتمد على التحقيق والتدقيق بوسيلته العلمية التى يملكها، وهى نقد الاسانيد وتمحيص الاخبار.
منزلته وآراء العلماء فيه: احتل ابن كثير منزلة عالية في الفقه والتفسير والحديث والفتوى، يقول عنه الذهبي: " الامام المفتى المحدث البارع، فقيه ومفسر نقال وله تصانيف مفيدة ".
ويقول عنه ابن حجر: " اشتغل بالحديث مطالعة في متونه ورجاله،

وكان كثير الاستحضار حسن المفاكهة سارت تصانيفه في حياته وانتفع الناس بها بعد وفاته ".
ويقول عنه ابن تغرى بردى: " لازم الاشتغال ودأب وحصل وكتب، وبرع في الفقه والتفسير والحديث وجمع وصنف، ودرس وحدث وألف، وكان له اطلاع عظيم في الحديث والتفسير والفقه والعربية وغير ذلك، وأفتى ودرس إلى أن توفى ".
وقد اشتهر ابن كثير بالضبط والتحرى والاستقصاء، وانتهت إليه في عصره الرياسة في التاريخ والحديث والتفسير.
يقول عنه ابن حجى أحد تلامذته: " أحفظ من أدركناه لمتون الاحاديث ورجالها، وأعرفهم بجرحها وصحيحها وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك، وما أعرف أنى اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدت منه " ويصفه ابن العماد الحنبلى فيقول: " كان كثير الاستحضار قليل النسيان، جيد الفهم، يشارك في العربية وينظم نظما وسطا.
قال فيه ابن حبيب: سمع وجمع وصنف، وأطرب الاسماع بالفتوى وشنف، وحدث وأفاد، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير " ويقول عنه ابن حجر: " ولم يكن على طريق المحدثين في تحصيل العوالي وتمييز العالي من النارل، ونحو ذلك من فنونهم، وإنما هو من محدث الفقهاء ".
ولكن السيوطي يحيب على كلام ابن حجر بقوله:

" العمدة في علم الحديث على معرفة صحيح الحديث وسقيمه وعلله
واختلاف طرقه ورجاله جرحا وتعديلا، وأما العالي النازل ونحو ذلك فهو من الفضلات، لا من الاصول المهمة ".
شعره وأسلوبه: كان ابن كثير مشاركا في العربية، وكان - كما قال ابن العماد - ينظم نظما وسطا، ولا يذكر له إلا القليل من النظم مثل قوله: تمر بنا الايام تترى وإنما * نساق إلى الآجال والعين تنظر فلا عائد ذاك الشباب الذى مضى * ولا زائل هذا المشيب المكدر وعلى كل فهو لم يشتعر بقول الشعر.
وقد كانت ثقافته الادبية جيدة، بالنظر إلى فقيه مفسر محدث مثله، وكان يسير في أسلوبه على مقتضى عصره، من إيثار السجع والميل إلى المحسنات، وأسلوبه في التفسير قوى متناسب.
كتبه: اشتغل ابن كثير بالتأليف والتصنيف، وأكثر كتبه في الحديث وعلومه، ومؤلفاته معدودة، وأهمها: 1 - تفسير القرآن الكريم.
الذى قال فيه السيوطي: " لم يؤلف على نمطه مثله " وهو يعتمد على التفسير بالراوية، فيفسر القرآن ثم بالاحاديث المشتهرة يسوقها

بأسانيدها، ثم ينقد الاسانيد ويحكم عليها، ثم يذكر الآثار المروية عن الصحابة والتابعين.
وهو مطبوع مشهور.
2 - البداية والنهاية في التاريخ.
وهو أيضا مطبوع مشهور، وإن كانت طبعته غير موثقة ولا مصححة.
وهو مرجع دقيق لا يزال عليه التعويل، قال عنه ابن تغرى بردى: " وهو في غاية الجودة ".
3 - اختصار علوم الحديث لابن الصلاح.
وهو كتاب نافع أضاف فيه ابن كثير فوائد كثيرة ورتبه واختصره وهو مطبوع من تعلقات للمرحوم الشيخ أحمد شاكر باسم " الباعث الحثيث ".
4 - مختصر كتاب " المدخل إلى كتاب السنن " للبيهقي ذكره في مقدمة اختصار علوم الحديث.
وهو مخطوط.
5 - رسالة في الجهاد.
مطبوعة.
6 - التكميل في معرفة " الثقات والضعفاء والمجاهيل " جمع فيه كتابي " تهذيب الكمال " للمزى و " ميزان الاعتدال " للذهبي.
وزاد عليهما زيادات مفيدة في الجرح والتعديل.
وهو مخطوط.
7 - " الهدى والسنن في أحاديث المسانيد والسنن " وهو المعروف بجامع المسانيد، جمع فيه بين مسند أحمد والبزار وأبى يعلى وابن أبي شيبة مع الكتب الستة: الصحيحين والسنن الاربعة، ورتبه على أبواب.
وهو مخطوط.
8 - مسند الشيخين أبى بكر وعمر.

وفيه - كما قال ابن كثير (1) - ذكر كيفية إسلام أبي بكر وأورد فضائله وشمائله وأتبع ذلك بسيرة الفاروق رضى الله عنه، وأورد ما رواه كل منهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، من الاحاديث وما روى عنه من الآثاو والاحكام والفتاوى، فبلغ ذلك ثلاث مجلدات.
وهو مخطوط لا ندري مكانه ! 9 - السيرة النبوية، مطولة ومختصرة، ذكرها في تفسير سورة الاحزاب، في قصة غزوة الخندق (2).
10 - طبقات الشافعية.
مجلد وسط، ومعه مناقب الشافعي.
مخطوط 11 - تخريج أحاديث أدلة التنبيه في فقه الشافعية.
12 - وخرج أحاديث مختصر ابن الحاجب.
13 - كتاب المقدمات، ذكره في اختصار مقدمة ابن الصلاح وأحال عليه.
14 - وقد ذكر ابن حجر أن ابن كثير شرع في شرح للبخاري ولم يكمله.
15 - وشرح في كتاب كبير في الاحكام لم يكمل وصل فيه إلى الحج وفى هذه الكتب المعرفة لنا من تراث ابن كثير يظهر اتجاهه في اهتمامه بالسنة وعلومها، وتغلب عليه روح عصره في مختصراته وشروحه ويظهر ابتكاره في تفسيره للقرآن الكريم وفى منهجه في تاريخه الفذ: " البداية والنهاية ".
__________
(1) السيرة النبوية لابن كثير 1 / 433.
(2) قمت بنشرها في أربعة مجلدات، عن النسخ المحفوظة من البداية والنهاية مطبعة عيسى الحلبي سنة 1966.
(*)

وقد شاع الانتفاع بالقدر القليل الذى عرف طريقه إلى الناس من كتب هذا الامام، وبقى منها قدر كبير لا يهتدى إلى مكانه ولا يعرف طريقه إلى أيدى الناس.
وقد كان علينا أن نولي كتب هذا الامام العظيم ما يستحق من اهتمام وأن نيستر للناس الانتفاع بها، لنودى واجبنا نحو تراثنا وتاريخنا ولنصل ماضينا بحاضرنا، ولا ندع مصابيح الهداية تنطفئ وأمتنا أحوج ما تكون إلى ما فيها من ضياء.
قصص الانبياء: وكتابنا هذا الذى نقدمه، هو جانب " قصص الانبياء " من البداية والنهاية لابن كثير، آثرت نشره محققا، لاستقلاله في موضوعه وحاجة جماهير الناس إليه، وقد كان موضوع قصص الانبياء من الموضوعات التى أفردها العلماء بالتأليف منذ عصر التدوين، وأول من أفرد لها كتابا مستقلا هو محمد بن إسحاق بن يسار المتوفى سنة 150 ه فقد ألف كتابه " المبتدأ " أو " المبدأ " وقصص الانبياء، وقد أهمل ابن هشام هذا القسم حين لخص السيرة النبوية لابن إسحق، ولم يبق من هذا الكتاب إلا نقول نقلها عنه الطبري في التاريخ والتفسير والازرقي.
ثم كتب أو رفاعة عمارة بن وثيمة بن موسى بن الفرات الفارسى المتوفى سنة 289 كتابه " بدء الخلق وقصص الانبياء " ويوجد الجزء الاخير منه في الفاتيكان ثالث 265 (1).
__________
(1) تاريخ الادب العربي لبروكلمان 2 / 45.
(*)

وقد صار افتتاح كتب التاريخ العام بقصص الانبياء وبدء الخلق سنة متبعة، منذ صنف أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المولود سنة 234 ه بطبرستان، تاريخه الكامل وتناول فيه تاريخ العالم من بدء الخلق إلى عصره.
ومن بعده أبو الحسن على بن الحسين المسعودي المتوفى سنة 345
في تاريخ " مروج الذهب ".
ومعنى ذلك أن موضوع قصص الانبياء كان موضع اهتمام كتاب السيرة والتاريخ المسلمين منذ عصر التدوين إلى عصر ابن كثير.
وعلينا الآن أن نتأمل منهج ابن كثير قى قصص الانبياء لنرى ما قدمه من جديد وما تفرد به من خصائص، مما يعد تجديدا في هذا الجانب من التاريخ.
إن ذلك يقتضينا أن ننظر في مصادر ابن كثير في قصص الانبياء ونصنفها حسب تعويله عليها.
وأول ما يتضح لنا أن ابن كثير قد جعل القرآن الكريم مصدره الاول في تاريخ الانبياء، فعول على طريقته والتزم بأخباره، وقطع بأن كل ما يخالفه من أقوال أهل الكتاب فهو كذب وبهتان، وذلك الحق الذى يقطع به كل مسلم.
ويبدأ ابن كثير في كل قصة من قصص الانبياء بجمع الآيات القرآنية المنعلقة بها باستقصاء من كل سور القرآن، حسب ترتيب السور.
ثم يجنح إلى جانب التفسير فيستخرج دلائل الآيات الكريمة بمنهجه المشهور، من تفسير القرآن، ثم بالسنة والاثر.

وبعد ذلك يجمع ابن كثير الاحاديث المروية في قصص الانبياء بأسانيدها من الصحاح والمسانيد، ولا يفوته أن يخرج تلك الاحاديث ويدلنا على حظها من الثبوت.
ثم يتجه ابن كثير إلى روايات المؤرخين وعلماء السير، يختار منها ما يساير حقائق القرآن والسنة وآراء المفسرين وأبرز من ينقل عنهم ابن
كثير: محمد ابن إسحق في كتاب " المبتدأ " وابن جرير في تاريخه وتفسيره، وابن عساكر في تاريخه، وتلك الروايات لا تمثل في الكتاب لحمة ولا سدى، إنما هي تأييد للاخبار الاسلامية أو تفصيل لها حينما يجنح الخيال إلى الاستقصاء ووصل الحلقات بعضها ببعض، وأغلب تلك الروايات منقول عن علماء أهل الكتاب، وكثيرا ما يعلق عليه ابن كثير بأنه غريب.
ويبقى بعد ذلك من مصادر ابن كثير في قصص الانبياء أخبار أهل الكتاب، المتلقاة من التوراة التى بأيديهم.
وقد وقف ابن كثير من هذا المصدر موقفا عدلا، فلم يهمله بالكلية مادام هناك من يتطلع إليه ومن ينقل عنه، فأشار ابن كثير إلى طرف يسير من أخبار أهل الكتاب مقترنة ببيان رأيه فيها، وهو يرى أن التوراة إن خالفت الحق الذى بأيدينا من الكتاب والسنة، فهى باطل يجب رده.
فعندما ذكر عن التوراة أن الذى دل حواء على الاكل من الشجرة هي الحية، وكانت من أحسن الاشكال وأعظمها، أعقبه بقوله: " وهذا

الذى في هذه التوراة التى بأيديهم غلط منهم، وتحريف وخطأ في التعريب فإن نقل الكلام من لغة إلى لغة لا يتيسر لكل أحد، ولا سيما ممن لا يكاد يعرف كلام العرب جيدا، ولا يحيط علما بفهم كتابه أيضا، فلهذا وقع في تعريبهم لها خطأ كثير لفظا ومعنى، وقد دل القرآن العظيم على أنه كان عليهما لباس في قوله: " ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما " فهذا لا يرد لغيره من الكلام " (1).
وقد كان ابن كثير يقرأ التوراة ويرى ما فيها من تحريف، وقد نبه إلى ذلك في مواضع من كتابه هذا، فهو يقول عن قابيل: " والذى رأيته في الكتاب الذى بأيدى أهل الكتاب الذى يزعمون أنه التوراة: أن الله عزوجل أجله وأنظره وأنه سكن في أرض نور في شرق عدن " وبعد أن يذكر تواريخ أهل الكتاب عن ذرية قابيل يقول: " هذا مضمون ما في كتابهم صريحا، وفى كون هذه التواريخ محفوظة فيما نزل من السماء نظر، كما ذكره غير واحد من العلماء طاعنين عليهم في ذلك، والظاهر أنها مقحمة فيها، ذكرها بعضهم على سبيل الزيادة والتفسير، وفيها غلط كثير (2) ".
وفى موضع آخر يقول: " فكيف يترك هذا ويذهل عنه، ويصار إلى أقوال الكذبة الكفرة من أهل الكتاب الذين بدلوا كتب الله المنزلة وحرفوها وأولوها ووضعوها على غير مواضعها (3) ".
__________
(1) ص 22 من هذا الجزء.
(2) ص 62 من هذا الجزء.
(3) ص 107 من هذا الجزء.
(*)

وبذلك وضع ابن كثير أخبار أهل لكتاب في موضعها الصحيح، يستأنس بها حين تطابق الحق الذى بأيدينا، وينبه على تحريفها وكذبها حين تخالف، فإن لم يكن لها دليل في أخبارنا واحتملت الصدق أوردها متوقفا، وقد أمرنا أن لا يصدق أهل الكتاب ولا نكذبهم.
ومن هنا فقد نجا ابن كثير مما تورط فيه المؤرخون من قبله من الاسراف في رواية الاسرائيليات والتعويل عليها، واحتفظ بصورته الاسلامية
المشرقة، وجعل قارئه يطمئن إلى مصادره ويتبين قيمتها.
فإذا أردنا أن نتبين خصائص ابن كثير في قصص الانبياء، فإن أهم ما يستوقفنا من ذلك: (ا) الاحاطة بالاخبار والاستقصاء في روايتها من طرقها، مما يجعله أوفى مرجع في هذا القصص.
وقد أعانه على ذلك عصره المتأخر، إذ عاش في القرن الثامن، فتمكن أن يجيل النظر فيما سلف من تراث.
(ب) التحقيق العلمي في إيراد الاخبار فهو لا يذكر قولا إلا ومعه دليله ولا رواية إلا ويبين حالها من الصحة أو الضعف وهو وإن تسامح في إيراد بعض الاخبار الواهية، إلا أنه أخلى تبعته بالحكم عليها وفق أصول الرواية.
3 - الاهتمام بمقاصد القرآن الكريم في إبراز العظة وجلاء العبرة في هذا القصص وما دام ابن كثير مفسرا متقنا فقد استطاع أن يلفت النظر إلى كثير من مواطن العبرة في آيات الانبياء، وأن يجعل من عرض قصصهم وسيلة لتقرير كثير من الاحكام والآداب.

4 - وقد عنى ابن كثير بدفع الشبه التى أثارها كثير من المفسرين والمتلقين عن أهل للكتاب، واستطاع بمقدرته في التفسير وقوته في الاستدلال أن يوضح جانب الحق وأن يرد كثيرا من الآراء الفاسدة التى لا تتفق مع كرامة الانبياء.
فقد كان موفقا في تأويل الآيات التى ثار حولها الخلاف وكثرت الاقاويل، كموقفه من تأويل قوله سبحانه على لسان لوط: " هؤلاء بناتى هن أطهر لكم " وقوله عن يوسف: " ولقد همت به وهم بها " وكذلك
بيانه لقول الخليل عليه السلام " بل فعله كبيرهم هذا " وكذلك فصله في احتجاج موسى وآدم عليه السلام، وغير ذلك.
وهذا جانب لم يهتم به أحد من المؤرخين من قبل، إنما دفع ابن كثير إليه إمامته في التفسير واهتمامه بمقاصد الهداية من قصص الانبياء.
وبذلك يمكننا القول أن تناول ابن كثير لقصص الانبياء يعتبر جديدا في منهجه، إذ نلمح فيه عناصر أخرى غير التاريخ، كالتفسير والحديث، والعظة والتوجيه، وفى بعض الاحيان اللغة والادب، وقد مزج ابن كثير بين هذه العناصر وجعل الصدارة فيها للتصور القرآني لقصص الانبياء، فهو بحق تعبير صادق عن النظرة الاسلامية لهذا الموضوع وقد برئ من الحشو والتكلف والولوع بالغرائب، وساير منهج العقل والعلم، ونفر من الخرافات والاباطيل.
وذلك ما جعلني أرى في نشر هذا الكتاب ضرورة لعصرنا وتراثنا على السواء.

منهج التحقيق: اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على نسختين من " البداية والنهاية " 1 - النسخة المصورة عن مكتبة ولى الدين بالآستانة والمحفوظة بدار الكتب المصرية برقم 1110 تاريخ.
وهى نسخة جيدة لولا ما يقع فيها من سقط في بعض المواضع.
وإليها الاشارة بحرف ا.
2 - النسخة المطبوعة بمطبعة السعادة سنة 1351 ه وقد قوبلت على نسخة محفوظة بالمدرسة الاحمدية بحلب، وإليها الاشارة بحرف ط.
وقد كان جهدي متجها إلى ضبط الاصل ومقابلة النسختين لاستخراج الصواب منهما.
وقد تبينت في النسخة المطبوعة سقطا كثير أشرت إليه في الهوامش، كما أن فيها تحريف شائعا قومته بالرجوع إلى المخطوطة وإلى المراجع التى نقل عنها ابن كثير، وأشرت إلى بعض هذه الاخطاء في هوامش الصفحات.
وبعد ذلك كان لا بد من شرح المفردات وإثبات فروق النسخ والتعريف ببعض الاعلام والتعليق على ما لا يطمأن إليه من الروايات وغير ذلك مما يتطلبه تقويم الكتاب وتقديمه في صورة قريبة من الصحة دانية من الصواب.
وأرجو أن أكون في نشرى لهذا الكتاب من كتب ابن كثير قد أديت واجبى نحو أمتنا الاسلامية حين يسرت هذا المرجع الاصيل

لهذا الجانب الهام من جوانب الثقافة الاسلامية، بل الانسانية وهو قصص الانبياء، وهم أبطال التضحية المجردة عن كل شائبة، وأمثلة الكمال البشرى الذين تستهديهم الانسانية في كل زمان.
والله المسئول أن يهئ لنا من أمرنا رشدا وأن يمدنا بعونه وقوته، نعم المولى ونعم النصير.
مصطفى عبد الواحد القاهرة صفر سنة 1388 ه مايو سنة 1968 م

 
 

Document sans titre
 

Warning: main() [function.main]: open_basedir restriction in effect. File(/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php) is not within the allowed path(s): (/mnt/110/sda/d/6/kutub) in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/anbiya/001.php on line 201

Warning: main(/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php) [function.main]: failed to open stream: Operation not permitted in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/anbiya/001.php on line 201

Warning: main() [function.include]: Failed opening '/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php' for inclusion (include_path='/mnt/110/sda/d/6/kutub/include:.:/usr/php4/lib/php') in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/anbiya/001.php on line 201