قصص الانبياء - ابن كثير - صالح عليه السلام
 
صالح عليه السلام

قصة صالح عليه السلام نبى ثمود وهم قبيلة مشهورة، يقال لهم ثمود باسم جدهم ثمود أخى جديس، وهما ابنا عاثر بن إرم بن سام بن نوح.
وكانوا عربا من العاربة يسكنون الحجر الذى بين الحجاز وتبوك.
وقد مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين.
وكانوا بعد قوم عاد، وكانوا يعبدون الاصنام كأولئك.
فبعث الله فيهم رجلا منهم وهو عبد الله ورسوله: صالح بن عبيد ابن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن نوح فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يخلعوا الاصنام والانداد ولا يشركوا به شيئا.
فآمنت به طائفة منهم، وكفر جمهورهم، ونالوا منه بالمقال والفعال، وهموا بقتله، وقتلوا الناقة التى جعلها الله حجة عليهم، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
كما قال تعالى في سورة الاعراف: " وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، قد جاءتكم بينة من ربكم، هذه ناقة الله لكم آية، فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم * واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد، وبوأكم في الارض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا،
(10 - قصص الانبياء 1)

فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الارض مفسدين * قال الملا الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم، أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه ؟ قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون * قال الذين استكبروا إنا بالذى آمنتم به كافرون * فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم، وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين * فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين (1).
وقال تعالى في سورة هود: " وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، هو أنشأكم من الارض واستعمركم فيها، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إن ربى قريب مجيب * قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا، أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ؟ وإننا لفى شك مما تدعونا إليه مريب * قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى وآتاني منه رحمة، فمن ينصرني من الله إن عصيته ؟ فما تزيدونني غير تخسير * ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب * فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب * فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا، ومن خزى يومئذ، إن ربك هو القوى العزيز * وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في دارهم جاثمين *
__________
(1) الآيات: 73 - 79 (*)

كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود (1) " وقال تعالى في سورة الحجر: " ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين * وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين * وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين * فأخذتهم الصيحة مصبحين * فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون (2) ".
وقال سبحانه وتعالى في سورة سبحان: " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الاولون، وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها، وما نرسل بالآيات إلا تخويفا (3) ".
وقال تعالى في سورة الشعراء " كذبت ثمود المرسلين * إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون * إنى لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين * أتتركون فيما هاهنا آمنين * في جنات وعيون * وزروع ونخفل طلعها هضيم * وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين * فاتقوا الله واطيعون * ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون * قالوا إنما أنت من المسحرين * ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين * قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم * ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب عظيم * فعقروها فأصبحوا نادمين * فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم (4) " وقال تعالى في سورة النمل: " ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا
__________
(1) الآيات: 61 - 68 (2) الآيات: 80 - 84 (3) الآية: 59 (4) الآيات: 141 - 159 (*)

أن اعبدوا الله، فإذا هم فريقان يختصمون * قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة، لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون * قالوا اطيرنا بك وبمن معك، قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون * وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون * قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله، ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون * ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين * فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا، إن في ذلك لآية لقوم يعلمون * وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون (1) ".
وقال تعالى في سورة حم.
السجدة: " وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى، فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون * ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون (2) ".
وقال تعالى في سورة اقتربت: " كذبت ثمود بالنذر * فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه ؟ إنا إذا لفى ضلال وسعر * أألقى الذكر عليه من بيننا ؟ بل هو كذاب أشر * سيعلمون غدا من الكذاب الاشر * إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر.
ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر * فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر * فكيف كان عذابي ونذر * إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر * ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر (3) ".
وقال تعالى: " كذبت ثمود بطغواها * إذ انبعث أشقاها * فقال.
__________
(1) الآيات: 45 - 53 (2) الآيتان: 17 و 18 الآيات: 23 - 32.
(*)

لهم رسول الله ناقة الله وسقياها * فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم
ربهم بذنبهم فسواها * ولا يخاف عقباها (1) ".
وكثيرا ما يقرن الله في كتابه بين ذكر عاد وثمود، كما في سورة براءة وإبراهيم والفرقان، وسورة ص، وسورة ق، والنجم والفجر.
ويقال إن هاتين الامتين لايعرف خبرهما أهل الكتاب، وليس لهما ذكر في كتابهم التوراة.
ولكن في القرآن ما يدل على أن موسى أخبر (2) عنهما، كما قال تعالى في سورة إبراهيم: " وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الارض جميعا فإن الله لغنى حميد * ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود، والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات.
" (3) الآية.
الظاهر أن هذا من تمام كلام موسى مع قومه، ولكن لما كان هاتان الامتان من العرب لم يضبطوا خبرهما جيدا، ولا اعتنوا بحفظه، وإن كان خبرهما كان مشهورا في زمان موسى عليه السلام.
وقد تكلمنا على هذا كله في التفسير مستقصى.
ولله الحمد والمنة.
* * * والمقصود الآن ذكر قصتهم وما كان من أمرهم، وكيف نجى الله نبيه صالحا عليه السلام ومن آمن به، وكيف قطع دابر القوم الذين ظلموا بكفرهم وعتوهم، ومخالفتهم رسولهم عليه السلام.
__________
(1) الآيات: 23 - 32 سورة الشمس (2) ا.
أخبرهم (3) الآيتان: 8، 9.
(*)

[ وقد قدمنا أنهم كانوا عربا، وكانوا بعد عاد ولم يعتبروا بما كان من أمرهم.
ولهذا قال لهم نبيهم عليه السلام ] (1): " اعبدوا الله ما لكم
من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم، هذه ناقة الله لكم آية، فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم * واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد، وبوأكم في الارض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا، فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الارض مفسدين " أي إنما جعلكم خلفاء من بعدهم لتعتبروا بما كان من أمرهم، وتعملوا بخلاف عملهم.
وأباح لكم هذه الارض تبنون في سهولها القصور، " وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين " أي حاذقين في صنعتها وإتقانها وإحكامها.
فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح، والعبادة له وحده لا شريك له، وإياكم ومخالفته والعدول عن طاعته، فإن عاقبة ذلك وخيمة.
ولهذا وعظهم بقوله: " أتتركون فيما هاهنا آمنين * في جنات وعيون * وزروع ونخل طلعها هضيم " أي متراكم كثير حسن بهى ناضج.
" وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين * فاتقوا الله وأطيعون * ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون ".
وقال لهم أيضا: " يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، هو أنشأكم من الارض واستعمركم فيها " أي هو الذى خلقكم فأنشأكم من الارض، وجعلكم عمارها، أي أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار، فهو الخالق
__________
(1) سقطت من ا.
(*)

الرزاق، وهو الذى يستحق العبادة وحده لا [ ما (1) ] سواه.
" فاستغفروه ثم توبوا إليه " أي أقلعوا عما أنتم فيه وأقبلوا على عبادته، فإنه يقبل منكم ويتجاوز عنكم " إن ربى قريب مجيب ".
" قالوا: يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا " أي [ قد (2) ] كنا نرجو أن يكون عقلك كاملا قبل هذه المقالة، وهى دعاؤك إيانا إلى إفراد العبادة، وترك ما كنا نعبده من الانداد، والعدول عن دين الآباء والاجداد ولهذا قالوا: " أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ؟ وإننا لفى شك مما تدعونا إليه مريب ".
" قال: يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى وآتاني منه رحمة، فمن ينصرني من الله إن عصيته ؟ فما تزيدونني غير تخير ".
وهذا تلطف منه لهم في العبارة ولين الجانب، وحسن تأت في الدعوة لهم إلى الخير.
أي فما ظنكم إمن كان الامر كما أقول لكم وأدعوكم إليه ؟ ماذا (3) عذركم عند الله ؟ وماذا يخلصكم بين يديه وأنتم تطلبون منى أن أترك دعاءكم إلى طاعته ؟ وأنا لا يمكنني هذا لانه واجب على، ولو تركته لما قدر أحد منكم ولا من غيركم أن يجيرني منه ولا ينصرني.
فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له، حتى يحكم الله بينى وبينكم.
وقالوا له أيضا: " إنما أنت من المسحرين " أي من المسحورين، يعنون مسحورا لا تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده، وخلع ما سواه من الانداد.
وهذا القول عليه الجمهور، وهو أن المراد
__________
(1) من ا.
(2) ليست في ا.
(3) كذا.
والاصح ما عذركم (*)

بالمسحرين المسحورين.
وقيل من المسحرين: أي ممن له سحر - وهو الرئى (1) - كأنهم يقولون إنما أنت بشر [ له سحر.
والاول أظهر لقولهم بعد هذا: ما أنت إلا بشر (2) ] مثلنا [ وقولهم (3) ] " فأت بآية إن كنت من الصادقين " سألوا منه أن يأتيهم بخارق يدل على صدق ما جاءهم به.
" قال: هذه ناقة لها شرب، ولكم شرب يوم معلوم * ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب عظيم " كما قال: " قد جاءتكم بينة من ربكم، هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم " وقال تعالى: " وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها " وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوما في ناديهم، فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله، وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم، فقالوا له: إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة - وأشاروا إلى صخرة هناك - ناقة، من صفتها كيت وكيت [ وذكروا أوصافا يسموها ونعتوها وتعنتوا فيها.
وأن تكون عشراء طويلة، من صفتها كذا وكذا (4) ] فقال لهم النبي صالح عليه السلام: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذى طلبتم، أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به ؟ قالوا: نعم.
فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك.
ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عزوجل ما قدر له، ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا.
فأمر الله عزوجل تلك الصخرة أن
__________
(1) ا: الرئية.
والرئى: التابع من الجن (2) سقطت من المطبوعة (3) ليست في ا (4) سقطت من ا.
(*)

تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء، على الوجه المطلوب الذى طلبوا، أو على الصفة التى نعتوا.
فلما عاينوها كذلك رأوا أمرا ومنظرا هائلا، وقدرة باهرة ودليلا قاطعا وبرهانا [ ساطعا (1) ] فآمن كثير منهم، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم.
ولهذا قال: " فظلموا بها " أي جحدوا
بها ولم يتبعوا الحق بسببها، أي أكثرهم.
وكان رئيس الذين آمنوا: جندع بن عمرو بن محلاة بن لبيد بن جواس.
وكان من رؤسائهم.
وهم بقية الاشراف بالاسلام فصدهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد والحباب صاحب أوثانهم، ورباب بن صعر بن جلمس.
ودعا جندع بن عمه شهاب بن خليفة وكان من أشرافهم، فهم بالاسلام [ فنهاه أولئك، قمال إليهم (1) فقال في ذلك رجل من المسلمين يقال له مهرش بن غنمة ابن الذميل رحمه الله: وكانت عصبة من آل عمرو * إلى دين النبي دعوا شهابا عزيز ثمود كلهم جميعا * فهم بأن يجيب ولو أجابا لاصبح صالح فينا عزيزا * وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا ولكن الغواة من آل حجر * تولوا بعد رشدهم ذبابا ولهذا قال لهم صالح عليه السلام: " هذه ناقة الله " أضافها لله سبحانه وتعالى إضافة تشريف وتعظيم، كقوله بيت الله و عبد الله " لكم آية " أي دليلا على صدق ما جئتكم به " فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ".
__________
(1) سقطت من ا.
(*)

فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم، ترعى حيث شاءت من أرضهم، وترد الماء يوما بعد يوم، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم.
ويقال إنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم، ولهذا قال: " لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ".
ولهذا قال تعالى: " إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم " أي اختبارا لهم أيؤمنون بها أم يكفرون ؟ والله أعلم بما يفعلون.
" فارتقبهم " أي انتظر ما يكون من أمرهم " واصطبر " على أذاهم فسيأتيك الخبر على جلية.
" ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب مختضر ".
فلما طال عليهم [ هذا (1) ] الحال اجتمع مأوهم، واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة، ليستريحوا منها ويتوفر عليهم ماؤهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم.
قال الله تعالى: " فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم، وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ".
وكان الذى تولى قتلها منهم رئيسهم: قدار بن سالف بن جندع، وكان أحمر أزرق أصهب.
وكان يقال إنه ولد زانية (2) ولد على فراش سالف، وهو ابن رجل يقال له صيبان.
وكان فعله ذلك باتفاق جميعهم، فلهذا نسب الفعل إليهم كلهم (2).
وذكر ابن جرير وغيرهم من علماء المفسرين: أن امرأتين من ثمود
__________
(1) ليست في ا (2) ا: زنية.
(2) ط: إلى جميعهم كلهم.
(*)

اسم إحداهما " صدوق " (1) ابنة المحيا بن زهير بن المختار.
وكانت ذات حسب ومال، وكانت تحت رجل من أسلم ففارقته، فدعت ابن عم لها يقال له " مصرع " بن مهرج بن المحيا، وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة.
واسم الاخرى " عنيزة " بنت غنيم بن مجلز، وتكنى أم غنمة (2) وكانت عجوزا كافرة، لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو أحد الرؤساء، فعرضت بناتها الاربع على قدار بن سالف، إن هو (3) عقر الناقة فله أي بناتها شاء، فانتدب (4) هذان الشابان لعقرها وسعوا في
قومهم بذلك، فاستجاب لهم سبعة آخرون فصاروا تسعة.
وهم المذكورون في قوله تعالى: " وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون "، وسعوا في بقية القبيلة وحسنوا لهم عقرها، فأجابوهم إلى ذلك وطاوعوهم في ذلك.
فانطلقوا يرصدون الناقة، فلما صدرت من وردها كمن لها " مصرع "، فرماها بسهم انتظم عظم (5) ساقها، وجاء النساء يذمرن (6) القبيلة في قتلها، وحسرن عن وجوههن ترغيبا لهم [ في ذلك (7) ] فأسرعهم (8) قدار بن سالف، فشد عليها بالسيف فكشف عن عرقوبها فخرت ساقطة إلى الارض.
ورغت رغاة واحدة عظيمة تحذر ولدها، ثم طعن في لبتها فنحرها، وانطلق سقبها - وهو فصيلها - فصعد جبلا منيعا ورغا (9) ثلاثا.
__________
(1) ا: صدوقة.
(2) ط: أم عثمان.
(3) ا: إن من عقر (4) افابتدر.
(5) ا: عضلة ساقها (6) يذمرن: يحضضن.
وفى المطبوعة: يزمرن.
محرفة (7) من ا.
(8) ط: فابتدرهم.
(9) ط: دعا.
وهو تحريف.
(*)

وروى عبد الرزاق، عن معمر، عمن سمع الحسن أنه قال: يا رب أين أمي ؟ ثم دخل في صخرة فغاب فيها.
ويقال: بل اتبعوه فعقروه أيضا.
قال الله تعالى: " فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر * فكيف كان عذابي ونذر ".
وقال الله تعالى: " إذ انبعث أشقاها * فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها " أي احذروها " فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها * ولا يخاف عقباها ".
قال الامام أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا هشام (1) - أبو عروة - عن أبيه [ عن ] (2) عبد الله بن زمعة قال: خطب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فذكر الناقة وذكر الذى عقرها فقال: " إذ انبعث أشقاها: انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه، مثل أبى زمعة " أخرجاه من حديث هشام به.
عارم: أي شهم.
عزيز أي رئيس منيع: أي مطاع في قومه.
وقال [ محمد (3) ] بن إسحاق: حدثنى يزيد بن محمد بن خشيم، عن محمد ابن كعب، عن محمد بن خثيم بن يزيد، عن عمار بن ياسر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى: " ألا أحدثك بأشقى الناس ؟ قال: بلى.
قال: رجلان [ أحهما ] (3) أحيمر ثمود الذى عقر الناقة والذى يضربك يا على على هذا - يعنى قرنه - حتى تبتل منه هذه - يعنى لحيته ".
رواه ابن أبى حاتم.
__________
(1) ط: هاشم.
(2) من ا.
(3) ليست في ا (*)

وقال تعالى: " فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم، وقالوا يا صالح اثتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ".
فجمعوا في كلامهم هذا بين كفر بليغ من وجوه: منها: أنهم خالفوا الله ورسوله في ارتكابهم النهى الاكيد في عقر الناقة التى جعلها الله لهم آية.
ومنها: أنهم استعجلوا وقوع العذاب بهم فاستحقوه من وجهين: أحدهما الشرط عليهم في قوله: " ولا تمسوها بسوه فيأخذكم عذاب قريب " وفى آية " عظيم " وفى الاخرى " أليم " والكل حق.
والثانى استعجالهم على ذلك.
ومنها: أنهم كذبوا الرسول الذى قد قام الدليل القاطع على نبوته وصدقه، وهم يعلمون ذلك علما جازما، ولكن حملهم الكفر والضلال والعناد على استبعاد الحق ووقوع العذاب بهم.
قال الله تعالى: " فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ".
وذكروا أنهم لما عقروا الناقة كان أول من سطا عليها قدار بن سالف، لعنه الله ; فعرقبها فسقطت إلى الارض، ثم ابتدرها بأسيافهم [ يقطعونها (1) ] فلما عاين ذلك سقبها - وهو ولدها - شرد عنهم فعلا أعلى الجبل هناك، ورغا ثلاث مرات (2).
فلهذا قال لهم صالح: " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام " أي غير
__________
(1) ليست في ا.
(2) ا: مرار.
(*)

يومهم ذلك، فلم يصدقوه أيضا في هذا الوعد الاكيد.
بل لما أمسوا هموا بقتله وأرادوا - فيما يزعمون - أن يلحقوه بالناقة.
" قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله " أي لنكبسنه في داره مع أهله فلنقتلنه، ثم نجحدن (1) قتله ولننكرن ذلك إن طالبنا أولياؤه بدمه.
ولهذا قالوا: " ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون " * * * قال الله تعالى: " ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين * فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعملون * وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون " (2).
وذلك أن الله تعالى أرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتل صالح
حجارة رضختهم [ فأهلكهم (3) ] سلفا وتعجيلا قبل قومهم، وأصبحت ثمود يوم الخميس - وهو اليوم الاول من أيام (4) النظرة - ووجوههم مصفرة، كما أنذرهم صالح عليه السلام.
فلما أمسوا نادوا بأجمعهم: ألا قد مضى يوم من الاجل.
ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة - ووجوههم محمرة، فلما أمسوا نادوا: ألا قد مضى يومان من الاجل.
ثم أصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع -
__________
(1) ا: تجحد.
(2) الآيات: 49 - 53 من سورة النمل.
(3) سقطت من المطبوعة.
(4) ا: من أيامهم.
(*)

وهو يوم السبت - ووجوههم مسودة، فلما أمسوا نادوا: ألا قد مضى الاجل.
فلما كان صبيحة يوم الاحد تحنطوا وتأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا يحل بهم من العذاب والنكال والنقمة، لا يدرون كيف يفعل بهم ؟ ولا من أي جهة يأتيهم العذاب.
فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة من أسفل منهم، ففاضت الارواح وزهقت النفوس، وسكنت الحركات، وخشعت الاصوات، وحقت الحقائق، فأصبحوا (1) في دارهم جاثمين، جثثا لا أرواح فيها ولا حراك بها.
قالوا ولم يبق منهم أحد إلا جارية كانت مقعدة واسمها " كلبة " بنت السلق - ويقال لها الذريعة - وكانت شديدة الكفر والعداوة لصالح عليه السلام، فلما رأت العذاب أطلقت رجلاها، فقامت تسعى كأسرع شئ، فأتت حيا من العرب فأخبرتهم بما رأت وماحل بقومها واستسقتهم ماء، فلما شربت ماتت.
قال الله تعالى: " كأن لم يغنوا فيها " أي لم يقيموا فيها في سعة ورزق وغناء، " ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود " أي نادى عليهم لسان القدر بهذا.
* * * قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، حدثنا عبد الله بن
__________
(1) ا: أصبحوا (*)

عين بن خثيم، عن أبى الزبير، عن جابر قال: لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: " لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح، فكانت - يعنى الناقة - ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فمتعوا عن أمر ربهم فعقروها.
وكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله [ بها (1) ] من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله " فقالوا: من هو يا رسول الله (2) ؟ قال: [ هو (1) ] أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه ".
وهذا الحديث على شرط مسلم وليس هو في شئ من الكتب الستة.
والله تعالى أعلم.
وقد قال عبد الرزاق أيضا: قال معمر: أخبرني إسماعيل بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر أبى رغال، فقال: " أتدرون من هذا ؟ " قالوا: والله ورسوله أعلم.
قال: " هذا قبر أبى رغال ; رجل من ثمود، كان في حرم الله فمنعه حرم الله عذاب الله، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن هاهنا، ودفن معه غصن من ذهب.
فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم، فبحثوا عنه
فاستخرجوا الغصن ".
قال عبد الرزاق: قال معمر: قال الزهري: أبو رغال أبو ثقيف.
هذا مرسل من هذا الوجه.
__________
(1) ليست في ا (2) ا: يا رسول الله من هو

وقد جاء من وجه آخر متصلا كما ذكره محمد بن إسحق في السيرة عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبى بجير، قال سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف، فمررنا بقبر، فقال: " إن هذا قبر أبى رغال، وهو أبو ثقيف، وكان من ثمود، وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التى أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه.
فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن ".
وهكذا رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحق به.
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزى رحمه الله: هذا حديث حسن عزيز.
قلت: تفرد به بجير بن أبى بجير هذا، ولا يعرف إلا بهذا الحديث، ولم يرو عنه سوى إسماعيل بن أمية.
قال شيخنا: فيحتمل أنه وهم في رفعه، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو من زاملتيه (1).
والله أعلم.
قلت: لكن في المرسل الذى قبله وفى حديث جابر أيضا شاهد له.
والله أعلم.
* * *
وقوله تعالى: " فتولى عنهم وقال: يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين " إخبار عن صالح عليه السلام،
__________
(1) الزاملة: التى يحمل عليها من الايل وغيرها، وقد أصاب عبد الله بن عمرو بعض كتب أهل الكتاب، حمل زاملتين، فكان يحدث منها.
" م 11 - قصص الانبياء 1 " (*)

أنه خاطب قومه بعد هلاكهم، وقد أخذ في الذهاب عن محلتهم إلى غيرها قائلا لهم: " يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم " أي جهدت في هدايتكم بكل ما أمكننى، وحرصت على ذلك بقولى وفعلى ونيتي.
" ولكن لا تحبون الناصحين " أي لم تكن سجاياكم تقبل الحق ولا تريده، فلهذا صرتم إلى ما أنتم فيه من العذاب الاليم، المستمر بكم المتصل إلى الابد، وليس لى فيكم حيلة ولا لى بالدفع عنكم يدان.
والذى وجب على من أداء الرساله والنصح لكم قد فعلته وبذلته لكم، ولكن الله يفعل ما يريد.
وهكذا خاطب النبي صلى الله عليه وسلم أهل قليب بدر بعد ثلاث ليال: وقف عليهم وقد ركب راحلته وأمر بالرحيل من آخر الليل فقال: " يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ فإنى قد وجدت ما وعدني ربى حقا " وقال لهم فيما قال: " بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، فبئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم ".
فقال له عمر: يا رسول الله تخاطب أقواما قد جيفوا ؟ فقال: " والذى نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يجيبون ".
ويقال إن صالحا عليه السلام انتقل إلى حرم الله فأقام به حتى مات.
قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا زمعة بن صالح، عن سلمة ابن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم جوادي عسفان [ حين حج قال: " يا أبا بكر أي واد هذا ؟ " قال:

وادى عسفان (1) ] قال: " لقد مر به هود وصالح عليهما السلام على بكرات خطمها الليف، أزرقهم العباء، وأرديتهم النمار يلبون يحجون البيت العتيق ".
إسناد حسن.
وقد تقدم في قصة نوح عليه السلام من رواية الطبراني، وفيه نوح وهود وإبراهيم.
ذكر مرور النبي صلى الله عليه وسلم بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك قال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا صخر بن جويرية عن نافع، عن ابن عمر قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك، نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود، فاستقى الناس من الآبار التى كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا منها ونصبوا القدور، فأمرهم رسول الله فأهراقوا القدور، وعفلوا العجين الابل، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التى كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا [ فقال (1) ]: " إنى أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم ".
وقال أحمد أيضا: حدثنا عفان، حدثنا عبد العزيز بن مسلم، حدثنا عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر: " لا تدخلوا على هؤلاء، المذبين إلا أن تكونوا
باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبكم مثل ما أصابهم ".
__________
(1) سقط من ا.
(*)
أخرجاه في الصحيحين من غير وجه.
وفى بعض الروايات: أنه عليه السلام لما مر بمنازلهم قنع رأسه وأسرع راحلته، ونهى عن دخول منازلهم إلا أن تكونوا باكين.
وفى رواية: فإن لم تبكوا (1) فتباكوا خشية أن يصيبكم مثل ما أصابهم ".
صلوات الله وسلامه عليه.
وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد بن هرون، حدثنا المسعودي، عن إسمعيل بن أوسط، عن محمد بن أبى كبشة الانباري عن أبيه - واسمه عمرو بن سعد ويقال عامر بن سعد - رضى الله عنه قال: لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى في الناس: " الصلاة جامعة ".
قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو ممسك بعيره وهو يقول: " ما تدخلون على قوم عضب الله عليهم " فناداه رجل: نعجب منهم يا رسول الله ! قال: " أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك ؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم، فاستقيموا وسددوا ; فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئا وسيأتى قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا ".
إسناد حسن ولم يخرجوه.
* * * وقد ذكر أن قوم صالح كانت أعمارهم طويلة، فكانوا يبنون
__________
(1) ا: فإن لم تكونوا.
(*)

البيوت من المدر فتخرب قبل موت الواحد منهم، فنحتوا لهم بيوتا في الجبال.
وذكروا أن صالحا عليه السلام لما سألوه آية، فأخرج الله لهم الناقة من الصخرة، أمرهم بها وبالولد الذى كان في جوفها، وحذرهم بأس الله إن هم نالوها بسوء، وأخبرهم أنهم سيعقرونها ويكون سبب هلاكهم ذلك.
وذكر لهم صفة عاقرها وأنه أحمر أزرق أصهب.
فبعثوا القوابل في البلد متى وجدوا مولودا بهذه الصفة يقتلنه، فكانوا على ذلك دهرا طويلا.
وانقرض جيل وأتى جيل آخر.
فلما كان في بعض الاعصار خطب رئيس من رؤسائهم على ابنه بنت آخر مثله في الرياسة، فزوجه، فولد بينهما عاقر الناقة، وهو قدار بن سالف.
فلم تتمكن القوابل من قتله لشرف أبويه وجديه فيهم، فنشأ نشأة سريعة، فكان يشب في الجمعة كما يشب غيره في شهر، حتى كان من أمره أن خرج مطاعا فيهم رئيسا بينهم.
فسولت له نفسه عقر الناقة واتبعه على ذلك ثمانية من أشرافهم، وهم التسعة الذين أرادوا قتل صالح عليه السلام.
فلما وقع من أمرهم ما وقع من عقر الناقة، بولغ ذلك صالحا عليه السلام، جاءهم باكيا عليها، فتلقوه يعتذرون إليه، ويقولون: إن هذا لم يقع من ملا منا.
وإنما فعل هذا هؤلاء الاحداث فينا.
فيقال إنه أمرهم باستدراك سقها حتى يحسنوا إليه عوضا عنها، فذهبوا وراءه فصعد جبلا هناك، فلما تصاعدوا فيه وراءه تعالى الجبل حتى ارتفع فلا يناله الطير، وبكى الفصيل حتى سالت دموعه.
ثم استقبل صالحا عليه السلام ورغا ثلاثا،

فعندها قال صالح: " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب " وأخبرهم أنهم يصبحون من غدهم صفرا، ثم تحمر وجوههم في الثاني، وفى اليوم الثالث تسود وجوههم.
فلما كان في اليوم الرابع أتتهم صيحة فيها صوت كل صاعقة، فأخذتهم فأصبحوا في دارهم جاثمين.
وفى بعض هذا السياق نظر ومخالفة لظاهر ما يفهم من القرآن في شأنهم وقصتهم كما قدمنا.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.


 
 

Document sans titre
 

Warning: main() [function.main]: open_basedir restriction in effect. File(/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php) is not within the allowed path(s): (/mnt/110/sda/d/6/kutub) in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/anbiya/007.php on line 300

Warning: main(/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php) [function.main]: failed to open stream: Operation not permitted in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/anbiya/007.php on line 300

Warning: main() [function.include]: Failed opening '/mnt/113/sdc/d/6/kutub/stats/php-stats.redir.php' for inclusion (include_path='/mnt/110/sda/d/6/kutub/include:.:/usr/php4/lib/php') in /mnt/110/sda/d/6/kutub/History/anbiya/007.php on line 300