باب ذكر جماعة من أنبياء بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام ثم نتبعهم بذكر داود وسليمان عليهما السلام قال ابن جرير في تاريخه: لا خلاف بين أهل العلم بأخبار الماضين وأمور السالفين من أمتنا وغيرهم أن القائم بأمور بني إسرائيل بعد يوشع كالب بن يوفنا، يعني أحد أصحاب موسى عليه السلام وهو زوج أخته مريم، وهو أحد الرجلين اللذين ممن يخافون الله، وهما يوشع وكالب، وهما القائلان لبني إسرائيل حين نكلوا عن الجهاد: " ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ".
قال ابن جرير: ثم من بعده كان القائم بأمور بني إسرائيل حزقيل ابن بوذى (2) وهو الذي دعا الله فأحيا الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت.
__________
(1) كذا في ا موافقا للطبري، وفي ا: نودى.
(*)
قصة حزقيل قال الله تعالى: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ".
قال محمد بن إسحق عن وهب بن منبه إن كالب بن يوفنا لما قبضه الله إليه [ بعد يوشع (1) ] خلف في بني إسرائيل حزقيل بن بوذى (2) وهو ابن العجوز وهو الذي دعا للقوم الذين ذكرهم الله في كتابه فيما بلغنا.
" ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت " قال ابن إسحاق: فروا من الوباء فنزلوا بصعيد من الارض فقال لهم الله موتوا فماتوا جميعا فحظروا عليهم حظيرة دون السباع، فمضت عليهم دهور طويلة فمر بهم حزقيل عليه السلام فوقف عليهم متفكرا فقيل له: أتحب أن يبعثهم الله وأنت تنظر ؟ فقال: نعم.
فأمر أن يدعوا تلك العظام أن تكتسي لحما وأن يتصل العصب بعضه ببعض.
فناداهم عن أمر الله له بذلك، فقام القوم أجمعون وكبروا تكبيرة رجل واحد.
وقال أسباط عن السدى عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس (3) من الصحابة في قوله.
" ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم
__________
(1) ليست في ا.
(2) كذا في ا موافقا للطبري، وفي ا: نودى.
(3) ا: ناس ا.
(*)
الله موتوا ثم أحياهم " قالوا: كانت قرية يقال لها داوردان قبل واسط وقع بها الطاعون، فهرب عامة أهلها فنزلوا ناحية منها فهلك من بقى في القرية وسلم الآخرون فلم يمت منهم كثير، فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين فقال الذين بقوا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا بقينا ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم.
فوقع في قابل، فهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفا حتى نزلوا ذلك المكان وهو واد أفيح، فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه: أن موتوا.
فماتوا حتى إذا هلكوا وبقيت أجسادهم مر بهم نبي يقال له حزقيل، فلما رآهم وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم ويلوى شدقيه وأصابعه، فأوحى الله إليه: تريد أن أريك كيف أحييهم ؟ قال: نعم، وإنما كان تفكره [ أنه تعجب (1) ]
من قدرة الله عليهم، فقيل له: ناد.
فنادى: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي.
فجعلت العظام يطير بعضها إلى بعض، حتى كانت أجسادا من عظام، ثم أوحى الله إليه.
أن ناد: يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحما [ فاكتست لحما (2) ] ودما وثيابها التي ماتت فيها.
ثم قيل له: ناد.
فنادى: أيتها الاجساد إن الله يأمرك أن تقومي فقاموا.
قال أسباط: فزعم منصور عن مجاهد أنهم قالوا حين أحيوا " سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت " فرجعوا إلى قومهم أحياء يعرفون أنهم كانوا موتى، سحنة الموت على وجوههم لا يلبسون ثوبا إلا عاد رسما، حتى ماتوا لآجالهم (3) التي كتبت لهم.
__________
(1) ليست في ا (2) ا: بآجالهم.
(*)
وعن ابن عباس أنهم كانوا أربعة آلاف وعنه ثمانية آلاف، وعن أبي صالح تسعة آلاف، وعن ابن عباس أيضا كانوا أربعين ألفا.
وعن سعيد بن عبد العزيز كانوا من أهل أذرعات.
وقال ابن جريج عن عطاء: هذا مثل.
يعني أنه سيق مثلا مبينا أنه لن يغنى حذر من قدر ! وقول الجمهور [ أقوى (1) ] أن هذا وقع.
وقد روى الامام أحمد وصاحبا الصحيح من طريق الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن عبد الله بن الحارث ابن نوفل، عن عبد الله بن عباس، أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الاجناد أبو عبيدة ابن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء وقع بالشام.
فذكر الحديث.
يعني في مشاورته المهاجرين
والانصار فاختلفوا عليه، فجاءه عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا ببعض حاجته فقال: إن عندي من هذا علما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه.
فحمد الله عمر ثم انصرف.
وقال الامام: حدثنا حجاج ويزيد المفتى قالا حدثنا ابن أبي ذؤيب (2) عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، أن عبد الرحمن ابن عوف أخبر عمر وهو في الشام عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا *
__________
(1) ليست في ا (2) ا: ابن أبي ذئب.
(*)
السقم عذب به الامم قبلكم، فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه.
قال: فرجع عمر من الشام.
وأخرجاه من حديث مالك عن الزهري بنحوه.
قال محمد بن إسحاق (1) ولم يذكر لنا مدة لبث حزقيل في بني إسرائيل ثم إن الله قبضه إليه، فلما قبض نسى بنو إسرائيل عهد الله إليهم وعظمت فيهم الاحداث وعبدوا الاوثان وكان في جملة ما يعبدونه من الاصنام صنم يقال له بعل، فبعث الله إليهم إلياس بن ياسين بن قنحاص ابن العيزار بن هارون بن عمران.
قلت: وقد قدمنا قصة إلياس تبعا لقصة الخضر لانهما يقرنان في الذكر غالبا، ولاجل أنها بعد قصة موسى في سورة الصافات فتعجلنا قصته لذلك والله أعلم.
قال محمد بن إسحاق فيما ذكر له عن وهب بن منبه قال: ثم تنبأ فيهم بعد إلياس وصيه اليسع بن أخطوب عليه السلام.
وهذه:
__________
(1) ا: قال ابن اسحق.
(*)
قصة اليسع عليه السلام وقد ذكره الله تعالى مع الانبياء في سورة الانعام [ في قوله (1) ] " وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين " وقال تعالى في سورة ص: " واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الاخيار " قال ابن إسحق: حدثنا بشر أبو حذيفة، أنبأنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قال كان بعد إلياس اليسع عليهما السلام، فمكث ما شاء الله أن يمكث يدعوهم إلى الله مستمسكا بمنهاج إلياس وشريعته حتى قبضه الله عزوجل إليه ثم خلف فيهم الخلوف وعظمت فيهم الاحداث والخطايا وكثرت الجبابرة وقتلوا الانبياء، وكان فيهم ملك عنيد طاغ، ويقال إنه الذي تكفل له ذوالكفل إن هو تاب ورجع دخل الجنة فسمى ذا الكفل.
قال محمد بن إسحاق هو اليسع بن أخطوب.
وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في حرف الياء من تاريخه: اليسع وهو الاسباط بن عدى بن شوتلم بن أفراثيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل.
ويقال هو ابن عم إلياس النبي عليهما السلام ويقال كان مستخفيا معه بجبل قاسيون من ملك بعلبك ثم ذهب معه إليها فلما رفع الياس خلفه اليسع في قومه ونبأه الله بعده.
__________
(1) ليست في ا (*)
ذكر ذلك عبد المنعم بن إدريس [ بن سنان (1) ] عن أبيه، عن
وهب بن منبه.
قال وقال غيره وكان [ الاسباط (2) ] ببانياش.
ثم ذكر ابن عساكر قراءة من قرأ اليسع بالتخفيف والتشديد ومن قرأ والليسع وهو إسم واحد لنبي من الانبياء.
قلت: قد قدمنا قصة ذالكفل بعد قصة أيوب عليه السلام لانه قد قيل إنه ابن أيوب فالله تعالى أعلم.
فصل قال ابن جرير وغيره: ثم مرج أمر بني إسرائيل وعظمت منهم (3) الخطوب والخطايا وقتلوا من قتلوا من الانبياء وسلط الله عليهم بدل الانبياء ملوكا جبارين يظلمونهم ويسفكون دماءهم وسلط الله عليهم الاعداء من غيرهم أيضا، وكانوا إذ قاتلوا أحدا من الاعداء يكون معهم تابوت الميثاق الذي كان في قبة الزمان.
كما تقدم ذكره.
فكانوا ينصرون ببركته وبما جعل الله فيه من السكينة والبقية مما ترك آل موسى وآل هارون.
فلما كان في بعض حروبهم مع أهل غزة وعسقلان غلبوهم وقهروهم على أخذه فانتزعوه من أيديهم، فلما علم بذلك ملك بني إسرائيل في ذلك الزمان مالت عنقه فمات كمدا.
__________
(1) من ا (2) من ا (3) ا: وعظمت فيهم الاحداث.
(*)
وبقى بنو إسرائيل كالغنم بلا راع حتى بعث الله فيهم نبيا من الانبياء يقال له شمويل، فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكا ليقاتلوا معه الاعداء، فكان من أمرهم ما سنذكره مما قص الله في كتابه.
قال ابن جرير: فكان من وفاة يوشع بن نون إلى أن بعث الله
عزوجل شمويل بن بالى أربعمائة سنة وستون سنة.
ثم ذكر تفصيلها بمدد الملوك الذين ملكوا عليهم وسماهم واحدا واحدا تركنا ذكرهم قصدا.
قصة شمويل عليه السلام وفيها بدء أمر داود عليه السلام هو شمويل ويقال أشمويل بن بالى بن علقمة بن يرخام بن اليهو بن تهو بن صوف بن علقمة بن ماحث بن عموصا بن عزريا.
قال مقاتل: وهو من ورثة هارون.
وقال مجاهد هو أشمويل بن هلفاقا (1) ولم يرفع في نسبه أكثر من هذا، فالله أعلم.
حكى السدى بإسناده عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة والثعلبي وغيرهم أنه لما غلبت العمالقة من أرض غزة وعسقلان على بني إسرائيل وقتلوا منهم خلقا كثيرا وسبوا من أبنائهم جمعا كثيرا وانقطعت النبوة من سبط لاوى ولم يبق فيهم إلا امرأة حبلى، فجعلت تدعو الله عزوجل أن يرزقها ولدا ذكرا، فولدت غلاما فسمته أشمويل، ومعناه بالعبرانية إسماعيل، أي سمع الله دعائي.
فلما ترعرع بعثته إلى المسجد وأسلمته عند رجل صالح فيه يكون عنده ليتعلم من خيره وعبادته، فكان عنده فلما بلغ أشده بينما هو ذات ليلة نائم إذا صوت يأتيه من ناحية المسجد فانتبه مذعورا فظنه الشيخ يدعوه فسأله: أدعوتني ؟ فكره أن يفزعه فقال: نعم نم.
فنام.
__________
(1) ا: ابن ملقاتا.
(*)
ثم ناداه الثانية فكذلك ثم الثالثة فإذا جبريل يدعوه.
فجاءه فقال
إن ربك قد بعثك إلى قومك.
فكان من أمره معهم ما قص الله في كتابه.
قال الله تعالى في كتابه العزيز: " الم تر إلى الملا من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ؟ قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ! فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين.
وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا.
قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه، ولم يؤت سعة من المال.
قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم.
وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين.
فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر، فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم، فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده.
قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين.
ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت
وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء.
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذوفضل على العالمين ".
قال أكثر المفسرين: كان نبي هؤلاء [ القوم (1) ] المذكورين في هذه القصة هو شمويل.
وقيل شمعون وقيل هما واحد.
وقيل يوشع، وهذا بعيد لما ذكره الامام أبو جعفر ابن جرير في تاريخه أن بين موت يوشع وبعثة شمويل أربعمائة سنة وستين سنة فالله أعلم.
والمقصود أن هؤلاء القوم لما أنهكتهم الحروب وقهرهم (2) الاعداء سألوا نبي الله في ذلك الزمان وطلبوا منه أن ينصب لهم ملكا يكونون تحت طاعته ليقاتلوا من ورائه ومعه وبين يديه الاعداء.
فقال لهم: " هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ؟ قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله " أي وأي شئ يمنعنا من القتال " وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا " يقولون نحن محروبون موتورون، فحقيق لنا أن نقاتل عن أبنائنا المنهورين (3) المستضعفين فيهم المأسورين في قبضتهم.
قال الله تعالى: " فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين " كما ذكر في آخر القصة أنه لم يجاوز النهر مع الملك إلا القليل والباقون رجعوا ونكلوا عن القتال.
__________
(1) ليست في ا (2) ا.
وقهرتهم (3) ا: المنهوبين.
(*) (م 17 - قصص الانبياء 2)
" وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا " قال الثعلبي وهو طالوت بن قيش بن أفيل (1) بن صارو (2) بن تحورت بن أفيح ابن أنيس بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل.
قال عكرمة والسدى: كان سقاء ! وقال وهب بن منبه: كان دباغا وقيل غير ذلك.
والله أعلم.
ولهذا " قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال " وقد ذكروا أن النبوة كانت في سبط لاوى وأن الملك كان في سبط يهوذا، فلما كان هذا من سبط بنيامين نفروا منه وطعنوا في إمارته عليهم وقالوا نحن أحق بالملك منه و [ قد (3) ] ذكروا أنه فقير لا سعة من المال معه فكيف يكون مثل هذا ملكا.
" قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم ".
قيل كان الله قد أوحى إلى شمويل أن أي بني إسرائيل كان طوله على طول هذه العصا وإذا حضر عندك يفور هذا القرن الذي فيه من دهن القدس فهو ملكهم.
فجعلوا يدخلون ويقيسون أنفسهم بتلك العصا فلم يكن أحد منهم على طولها سوى طالوت ولما حضر عند شمويل فار ذلك القرن فدهنه منه وعينه للملك (4) عليهم وقال لهم: " إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم " قيل في أمر الحروب وقيل بل مطلقا " والجسم " قيل الطول وقيل الجمال، والظاهر من السياق أنه كان أجملهم وأعلمهم بعد نبيهم
__________
(1) ا: ابن أسال.
(2) ا: ابن صرار.
(3) من ا.
(4) المطبوعة: وعينه الملك.
(*)
عليه السلام " والله يؤتى ملكه من يشاء " فله الحكم وله الخلق والامر " والله واسع عليم ".
" وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك
لآية لكم إن كنتم مؤمنين " وهذا أيضا من بركة ولاية هذا الرجل الصالح عليهم ويمنه عليهم أن يرد الله عليهم التابوت الذي كان سلب منهم وقهرهم الاعداء عليه وقد كانوا ينصرون على أعدائهم بسببه " فيه سكينة من ربكم " قيل طست من ذهب كان يغسل فيه صدور الانبياء، وقيل السكينة مثل الريح الخجوح.
وقيل صورتها مثل الهرة إذا صرخت في حال الحرب أيقن بنو إسرائيل بالنصر " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " قيل كان فيه رضاض الالواح وشئ من المن الذي كان نزل عليهم بالتيه " تحمله الملائكة " أي تأتيكم به الملائكة يحملونه وأنتم ترون ذلك عيانا ليكون آية لله عليكم وحجة باهرة على صدق ما أقوله لكم وعلى صحة ولاية هذا الملك الصالح عليكم.
ولهذا قال: " إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ".
وقيل إنه لما غلب العمالقة على هذا التابوت وكان فيه ما ذكر من السكينة والبقية [ المباركه (1) ] وقيل كان فيه التوراة أيضا فلما استقر في أيديهم وضعوه تحت صنم لهم بأرضهم فلما أصبحوا إذا التابوت على رأس الصنم فوضعوه تحته فلما كان اليوم الثاني إذا التابوت فوق الصنم، فلما
__________
(1) ليست في أ.
(*)
تكرر هذا علموا أن هذا أمر من الله تعالى فأخرجوه من بلدهم وجعلوه في قرية من قراهم، فأخذهم داء في رقابهم فلما طال عليهم هذا جعلوه في عجلة وربطوها في بقرتين وأرسلوهما، فيقال إن الملائكة ساقتهما حتى جاءوا بهما ملا بني إسرائيل وهم ينظرون كما أخبرهم نبيهم بذلك، فالله أعلم على أي صفة جاءت به الملائكة، والظاهر أن الملائكة كانت
تحمله بأنفسهم كما هو المفهوم (1) من الآية والله أعلم * وإن كان الاول قد ذكره كثير من المفسرين أو أكثرهم.
" فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده ".
قال ابن عباس وكثير من المفسرين: هذا النهر هو نهر الاردن، وهو المسمى بالشريعة فكان من أمر طالوت بجنوده عند هذا النهر عن أمر نبي الله له عن أمر الله له اختبارا وامتحانا: أن من شرب من هذا النهر فلا يصحبني في هذه الغزوة، ولا يصحبني إلا من لم يطعمه إلا غرفة بيده.
قال الله تعالى: " فشربوا منه إلا قليلا منهم ".
قال السدى: كان الجيش ثمانين ألفا فشرب منه ستة وسبعون ألفا، فبقى معه أربعة آلاف.
كذا قال.
وقد روى البخاري في صحيحه من حديث إسرائيل وزهير والثوري، عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب.
قال: كنا أصحاب محمد
__________
(1) المطبوعة: كما هو المفهوم بالجنود من الآية.
ولا معنى لها.
(*)
صلى الله عليه وسلم نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا (1) معه النهر ولم يجاوز معه إلا بضعة عشر وثلاثمائة مؤمن.
وقول السدى أن عدة الجيش كانوا ثمانين ألفا فيه نظر، لان أرض بيت المقدس لا تحتمل أن يجتمع فيها جيش مقاتلة يبلغون ثمانين ألفا والله أعلم.
قال الله تعالى: " فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا
اليوم بجالوت وجنوده " أي استقلوا أنفسهم واستضعفوها عن مقاومة أعدائهم بالنسبة إلى قلتهم وكثرة عدد عدوهم " قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين " يعني ثبتهم الشجعان منهم (2) والفرسان أهل الايمان والايقان الصابرون على الجلاد والجدال والطعان.
" ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين " طلبوا من الله أن يفرغ عليهم الصبر أي يغمرهم به من فوقهم فتستقر قلوبهم ولا تقلق، وأن يثبت أقدامهم في مجال الحرب ومعترك الابطال وحومة الوغى والدعاء إلى النزال فسألوا التثبيت الظاهر والباطن وأن ينزل عليهم النصر على أعدائهم وأعدائه من الكافرين الجاحدين بآياته وآلائه، فأجابهم العظيم القدير السميع البصير الحكيم الخبير إلى ما سألوا (3) وأنالهم ما إليه [ فيه ] (4) رغبوا.
__________
(1) ا: جازوا.
(2) ط يعنى بها الفرسان منهم.
ولعله محريف وما أثبته من ا.
(3) ا: إلى ما طلبوا.
(4) ليست في ا.
(*)
ولهذا قال " فهزموهم بإذن الله " أي بحول الله [ وقوته (1) ] لابحولهم، وبقوة الله ونصره لا بقوتهم وعددهم، مع كثرة أعدائهم وكمال عددهم، كما قال تعالى: " ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ".
وقوله تعالى: " وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء " فيه دلالة على شجاعة داود عليه السلام وأنه قتله قتلا أذل به جنده وكسر (2) جيشه، ولا أعظم من غزوة يقتل فيها ملك عدوه فيغنم
بسبب ذلك الآموال الجزيلة ويأسر الابطال والشجعان [ والاقران (3) ] وتعلو كلمة الايمان على الاوثان (4) ويدال لاولياء الله على أعدائه، ويظهر الدين الحق على الباطل وأوليائه.
وقد ذكر السدى فيما يرويه أن داود عليه السلام كان أصغر أولاد أبيه وكانوا ثلاثة عشر ذكرا، كان سمع طالوت ملك بني إسرائيل وهو يحرض بني إسرائيل على قتل جالوت وجنوده وهو يقول من قتل جالوت زوجته بابنتي وأشركته في ملكي، وكان داود عليه السلام يرمى بالقذافة وهو المقلاع رميا عظيما، فبينا هو سائر مع بني إسرائيل إذ ناداه حجر أن خذني فإن بي تقتل جالوت.
فأخذه ثم حجر آخر كذلك ثم آخر كذلك، فأخذ الثلاثة في مخلاته فلما تواجه الصفان برز جالوت ودعا إلى نفسه فتقدم إليه داود فقال له: ارجع فإني أكره قتلك.
فقال: لكني
__________
(1) من ا.
(2) ط: وكسره.
(3) ليست في ا (4) ا: كلمة الله على الاديان.
(*)
أحب قتلك.
وأخذ تلك الاحجار الثلاثة فوضعها في القذافة ثم أدارها فصارت الثلاثة حجرا واحدا.
ثم رمى بها جالوت ففلق رأسه وفر جيشه منهزما، فوفى له طالوت بما وعده فزوجه ابنته وأجرى حكمه في ملكه وعظم داود عليه السلام عند بني إسرائيل وأحبوه ومالوا إليه أكثر من طالوت، فذكروا أن طالوت حسده وأراد قتله واحتال على ذلك فلم يصل إليه، وجعل العلماء ينهون طالوت عن قتل داود فتسلط عليهم فقتلهم (1) حتى لم يبق منهم إلا القليل.
ثم حصل له توبة وندم وإقلاع عما سلف منه وجعل يكثر من البكاء ويخرج إلى الجبانة فيبكى حتى بيل الثرى
بدموعه فنودى ذات يوم من الجبانة: أن يا طالوت قتلتنا ونحن أحياء وآذيتنا ونحن أموات.
فازداد لذلك بكاؤه وخوفه واشتد وجله ثم جعل يسأل عن عالم يسأل عن أمره وهل له من توبة، فقيل له: وهل أبقيت عالما ؟ ! حتى دل على امرأة من العابدات فأخذته فذهبت به إلى قبر يوشع عليه السلام.
قالوا: فدعت الله فقام يوشع من قبره فقال: أقامت القيامة ؟ فقلت لا ولكن هذا طالوت يسألك: هل له من توبة ؟ فقال: نعم ينخلع من الملك ويذهب فيقاتل في سبيل الله حتى يقتل.
ثم عاد ميتا.
فترك الملك لداود عليه السلام وذهب ومعه ثلاثة عشر من أولاده فقاتلوا في سبيل الله حتى قتلوا.
قالوا: فذلك قوله " وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ".
هكذا ذكره ابن جرير في تاريخه من طريق السدى باسناده (2).
وفي بعض هذا نظر ونكارة.
والله أعلم.
__________
(1) * ا: يقتلهم.
(2) ا: وإسناده.
(*)
وقال محمد بن إسحق: النبي الذي بعث فأخبر طالوت بتوبته هو اليسع ابن أخطوب.
حكاه ابن جرير أيضا.
وذكر الثعلبي أنها أتت به إلى قبر شمويل فعاتبه على ما صنع بعده من الامور، وهذا أنسب.
ولعله إنما رآه في النوم لا أنه قام من القبر حيا، فإن هذا إنما يكون معجزة لنبي، وتلك المرأة لم تكن نبية والله أعلم.
[ قال (1) ابن جرير ]: وزعم أهل التوراة أن مدة ملك طالوت إلى أن قتل مع أولاده أربعون سنة.
فالله أعلم.
__________
(1) من ا (*) |