عبد الملك بن مروان : بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب أبو الوليد ولد سنة ست و عشرين بويع بعهد من أبيه في خلافة ابن الزبير فلم تصح خلافته و بقي متغلبا على مصر و الشام ثم غلب على العراق و ما والاها إلى أن قتل ابن الزبير سنة ثلاث و سبعين فصحت خلافته من يومئذ و استوثق له الأمر ففي هذا العام هدم الحجاج الكعبة و أعادها على ما هي عليه الآن و دس على ابن عمر من طعنه بحربة مسمومة فمرض منها و مات
و في سنة أربع و سبعين سار الحجاج إلى المدينة و أخذ يتعنت على أهلها و يستخف ببقايا من فيها من صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و ختم في أعناقهم و أيديهم يذلهم بذلك كأنس و جابر بن عبد الله و سهل بن سعد الساعدي فإنا لله و إنا إليه راجعون
و في سنة خمس و سبعين حج بالناس عبد الملك الخليفة و سير الحجاج أميرا على العراق
و في سنة سبع و سبعين فتحت هرقلة و هدم عبد العزيز بن مروان جامع مصر و زيد فيه من جهاته الأربع
و في سنة اثنين و ثمانين فتح حصن سنان من ناحية المصيصة و كانت غزوة أرمينية و صنهاجة بالمغرب
و في سنة ثلاث و ثمانين بنيت مدينة واسط بناها الحجاج
و في سنة أربع و ثمانين فتحت المصيصة و أودية من المغرب
و في سنة خمس و ثمانين بنيت مدينة أردبيل و مدينة برذعة بناها عبد العزيز ابن حاتم بن النعمان الباهلي
و في سنة ست و ثمانين فتح حصن بولق و حصن الأخرم و فيها كان طاعون الفتيات و سمي بذلك لأنه بدأ في النساء
و فيها مات الخليفة عبد الملك في شوال و خلف سبعة عشر ولدا
قال أحمد بن عبد الله العجلي : كان عبد الملك أبخر الفم و إنه ولد لستة أشهر
و قال ابن سعد : كان عابدا زاهدا ناسكا بالمدينة قبل الخلافة
و قال يحيى الغساني : كان عبد الملك بن مروان كثيرا ما يجلس إلى أم الدرداء فقالت له مرة : بلغني يا أمير المؤمنين أنك شربت الطلاء بعد النسك و العبادة قال : إي و الله و الدماء قد شربتها
و قال نافع : لقد رأيت المدينة و ما بها شاب أشد تشميرا و لا أفقه و لا أنسك و لا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان
و قال أبو الزناد : فقهاء المدينة : سعيد بن المسيب و عبد الملك بن مروان و عروة ابن الزبير و قبيصة بن ذؤيب
و قال ابن عمر : ولد الناس أبناء و ولد مروان أبا
و قال عبادة بن نسي : قيل لابن عمر : إنكم معشر أشياخ قريش يوشك أن تنقرضوا فمن نسأل بعدكم ؟ فقال : إن لمروان ابنا فيها فاسألوه
و قال سحيم مولى أبي هريرة رضي الله عنه : دخل عبد الملك ـ و هو شاب ـ على أبي هريرة رضي الله عنه فقال أبو هريرة : هذا يملك العرب
و قال عبيدة بن رياح الغساني : قالت أم الدرداء لعبد الملك : ما زلت أتخيل هذا الأمر فيك منذ رأيتك قال : و كيف ذاك ؟ قالت : ما رأيت أحسن منك محدثا و لا أعلم منك مستمعا
و قال الشعبي : ما جالست أحدا إلا وجدت لي عليه الفضل إلا عبد الملك بن مروان فإني ما ذكرته حديثا إلا و زادني فيه و لا شعرا إلا و زادني فيه
و قال الذهبي : سمع عبد الملك من عثمان و أبي هريرة و أبي سعيد و أم سلمة و بريرة و ابن عمر و معاوية روى عنه : عروة و خالد بن معدان و رجاء ابن حيوة و الزهري و يونس بن ميسرة و ربيعة بن يزيد و إسماعيل بن عبيد الله و حريز بن عثمان و طائفة
و قال بكر بن عبد الله المزني : أسلم يهودي اسمه يوسف و كان قرأ الكتب فمر بدار مروان فقال : ويل لأمة محمد من أهل هذه الدار فقلت له : إلى متى ؟ قال : حتى تجيء رايات سود من قبل خراسان
و كان صديقا لعبد الملك بن مروان فضرب يوما على منكبه و قال : اتق الله في أمة محمد إذا ملكتهم فقال : دعني ويحك ما شأني و شأن ذلك ؟ فقال : اتق الله في أمرهم قال : و جهز يزيد جيشا إلى أهل مكة فقال عبد الملك : أعوذ بالله ! أيبعث إلى حرم الله ؟ فضرب يوسف منكبه و قال : جيشك إليهم أعظم
و قال يحيى الغساني : لما نزل مسلم بن عقبة المدينة دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلست إلى جنب عبد الملك فقال لي عبد الملك : أمن هذا الجيش أنت ؟ قلت : نعم قال : ثكلتك أمك ! أتدري إلى من تسير ؟ إلى أول مولود ولد في الإسلام و إلى ابن حواري رسول الله صلى الله عليه و سلم و إلى ابن ذات النطاقين و إلى من حنكه رسول الله صلى الله عليه و سلم أما و الله إن جئته نهارا وجدته صائما و لئن جئته ليلا لتجدنه قائما فلو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبهم الله جميعا في النار فلما صارت الخلافة إلى عبد الملك وجهنا مع الحجاج حتى قتلناه
و قال ابن أبي عائشة : أفضي الأمر إلى عبد الملك و المصحف في حجره فأطبقه و قال : هذا آخر العهد بك
و قال مالك : سمعت يحيى بن سعيد يقول : أول من صلى المسجد ما بين الظهر و العصر عبد الملك بن مروان و فتيان معه كانوا إذا صلى الإمام الظهر قاموا فصلوا إلى العصر فقيل لسعيد بن المسيب : لو قمنا فصلينا كما يصلي هؤلاء فقال سعيد بن المسيب : ليست العبادة بكثرة الصلاة و الصوم و إنما العبادة التفكر في أمر الله و الورع عن محارم الله
و قال مصعب بن عبد الله : أول من سمي في الإسلام عبد الملك عبد الملك ابن مروان و قال يحيى بن بكير : سمعت مالكا يقول : أول من ضرب الدنانير عبد الملك و كتب عليها القرآن و قال مصعب : كتب عبد الملك على الدنانير : { قل هو الله أحد } و في الوجه الآخر [ لا إله إلا الله ] و طوقه بطوق فضة و كتب فيه [ ضرب بمدينة كذا ] و كتب خارج الطوق [ محمد رسول الله أرسله بالهدى و دين الحق ]
و في الأوائل للعسكري بسنده : كان عبد الملك أول من كتب في صدور الطوامير { قل هو الله أحد } و ذكر النبي صلى الله عليه و سلم مع التاريخ فكتب ملك الروم : إنكم أحدثتم في طواميركم شيئا من ذكر نبيكم فاتركوه و إلا أتاكم من دنانيرنا ذكر ما تكرهون فعظم ذلك على عبد الملك فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية فشاوره فقال : حرم دنانيرهم و اضرب للناس سككا فيها ذكر الله و ذكر رسوله و لا تعفهم مما يكرهون في الطوامير فضرب الدنانير للناس سنة خمس و سبعين قال العسكري : و أول خليفة بخل عبد الملك و كان يسمى [ رشح الحجارة ] لبخله و يكنى [ أبا الذبان ] لبخره
قال : و هو أول من غدر في الإسلام و أول من نهى عن الكلام بحضرة الخلفاء و أول من نهى عن الأمر بالمعروف
ثم أخرج بسنده عن ابن الكلبي قال : كان مروان بن الحكم ولى العهد عمرو ابن سعيد بن العاص بعد ابنه فقتله عبد الملك و كان قتله أول غدر في الإسلام فقال بعضهم :
( يا قوم لا تغلبوا عن رأيكم فلقد ... جربتم الغدر من أبناء مروانا )
( أمسوا و قد قتلوا عمرا و ما رشدوا ... يدعون غدرا بعهد الله كيسانا )
( و يقتلون الرجال البزل ضاحية ... لكي يؤلوا أمور الناس ولدانا )
( تلاعبوا بكتاب الله فاتخذوا ... هواهم في معاصي الله قرآنا )
و أخرج بإسناد فيه الكديمي و هو متهم بالكذب عن ابن جريج عن أبيه قال : خطبنا عبد الملك بن مروان بالمدينة بعد قتل ابن الزبير عام حج سنة خمس و سبعين فقال بعد حمد الله و الثناء عليه :
أما بعد فلست بالخليفة المستضعف ـ يعني عثمان و لا الخليفة المداهن ـ يعني معاوية و لا الخليفة المأفون ـ يعني يزيد ألا و إن من كان قلبي من الخلفاء كانوا يأكلون و يطعمون من هذه الأموال ألا و إني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم تكلفوننا أعمال المهاجرين و لا تعملون مثل أعمالهم ؟ فلن تزدادوا إلا عقوبة حتى يحكم السيف بيننا و بينكم هذا عمرو بن سعيد قرابته قرابته و موضعه موضعه قال برأسه هكذا فقلنا بأسيافنا هكذا ألا و إنا نحمل لكم كل شيء إلا وثوبا على أمير أو نصب راية ألا و إن الجامعة التي جعلتها في عنق عمرو بن سعيد عندي و الله لا يفعل أحد فعله إلا جعلتها في عنقه و الله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه ثم نزل
ثم قال العسكري : و عبد الملك أول من نقل الديوان من الفارسية إلى العربية و أول من رفع يديه على المنبر
قلت : فتمت له عشرة أوائل منها خمسة مذمومة
و قد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف بسنده عن محمد بن سيرين قال : أول من أحدث الأذان في الفطر و الأضحى بنو مروان فإما أن يكون عبد الملك أو أحدا من أولاده
و أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني غير واحد أن أول من كسا الكعبة بالديباج عبد الملك بن مروان و إن من أدرك ذلك من الفقهاء قالوا : أصاب ما نعلم لها من كسوة أوفق منه
و قال يوسف بن الماجشون : كان عبد الملك إذا قعد للحكم قيم على رأسه بالسيوف
و قال الأصمعي : قيل لعبد الملك : يا أمير المؤمنين عجل عليك الشيب فقال : و كيف لا و أنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة ؟
و قال محمد بن حرب الزيادي : قيل لعبد الملك بن مروان : من أفضل الناس ؟ قال : من تواضع عن رفعة و زهد عن قدرة و أنصف عن قوة
و قال ابن عائشة : كان عبد الملك إذا دخل عليه رجل من أفق من الآفاق قال : اعفني من أربع و قل بعدها ما شئت : لا تكذبني فإن الكذوب لا رأي له و لا تجبني فيما لا أسألك فإن فيما أسألك عنه شغلا و لا تطرني فإني أعلم بنفسي منك و لا تحملني على الرعية فإني إلى الرفق بهم أحوج و قال المدائني : لما أيقن عبد الملك بالموت قال : و الله لوددت أني كنت منذ ولدت إلى يومي هذا حمالا ثم أوصى بنيه بتقوى الله و نهاهم عن الفرقة و الاختلاف و قال : كونوا بني أم بررة و كونوا في الحرب أحرارا و للمعروف منارا فإن الحرب لم تدن منية قبل وقتها و إن المعروف يبقى أجره و ذكره واحلوا في مرارة و لينوا في شدة و كونوا كما قال ابن عبد الأعلى الشيباني :
( إن القداح إذا اجتمعن فرامها ... بالكسر ذو حنق وبطش باليد )
( عزت فلم تكسر و إن هي بددت ... فالكسر و التوهين للمتبدد )
يا وليد اتق الله فيما أخلفك فيه إلى أن قال : و انظر الحجاج فأكرمه فإنه هو الذي وطأ لكم المنابر و هو سيفك يا وليد و يدك على من ناوأك فلا تسمعن فيه قول أحد و أنت إليه أحوج منه إليك و ادع الناس إذا مت إلى البيعة فمن قال برأسه هكذا فقل بسيفك هكذا
وقال غيره : لما احتضر عبد الملك دخل عليه ابنه الوليد فتمثل بهذا :
( كم عائد رجلا و ليس يعوده ... إلا ليعلم هل يراه يموت ؟ ! )
فبكى الوليد فقال : ما هذا ؟ أتحن حنين الأمة ؟ إذا أنا مت فشمر و ائتزر و البس جلد النمر و ضع سيفك على عاتقك فمن أبدى ذات نفسه لك فاضرب عنقه و من سكت مات بدائه
قلت : لو لم يكن من مساوىء عبد الملك إلا الحجاج و توليته إياه على المسلمين و على الصحابة رضي الله عنهم يهينهم و يذلهم قتلا و ضربا و شتما و حبسا و قد قتل من الصحابة و أكابر التابعين ما لا يحصى فضلا عن غيرهم و ختم في عنق أنس و غيره من الصحابة ختما يريد بذلك ذلهم فلا رحمة الله و لا عفا عنه و من شعر عبد الملك :
( لعمري لقد عمرت في الدهر برهة ... و دانت لي الدنيا بوقع البواتر )
( فأضحى الذي قد كان مما يسرني ... كلمح مضى في المزمنات الغوابر )
( فيا ليتني لم أعن بالملك ساعة ... ولم أله لي لذات عيش نواضر )
( و كنت كذي طمرين عاش ببلغة ... من الدهر حتى زار ضنك بالمقابر )
و في تاريخ ابن عساكر عن إبراهيم بن عدي قال : رأيت عبد الملك بن مروان و قد أتته أمور أربعة في ليلة فما تنكر و لا تغير وجهه : قتل عبيد الله بن زياد و قتل حبيش بن دلجة بالحجاز و انتقاض ما كان بينه و بين ملك الروم و خرج عمرو بن سعيد إلى دمشق
و فيه عن الأصمعي قال : أربعة لم يلحنوا في جد و لا هزل : الشعبي و عبد الملك بن مروان و الحجاج بن يوسف و ابن القرية
و أسند السلفي في الطيوريات : أن عبد الملك بن مروان خرج يوما فلقيته امرأة فقالت : يا أمير المؤمنين قال : ما شأنك ؟ قالت : توفي أخي و ترك ستمائة دينار فدفع إلي من ميراثه دينار واحد فقيل هذا حقك فعمي الأمر فيها على عبد الملك فأرسل إلى الشعبي فسأله فقال : نعم هذا توفي فترك ابنتين فلهما الثلثان أربعمائة و أما فلها السدس مائة و زوجة فلها الثمن خمسة و سبعون و اثني عشر أخا فلهم أربعة و عشرون و بقي لها دينار
و قال ابن أبي شيبة في المنصف : حدثنا أبو سفيان الحميري حدثنا خالد بن محمد القرشي قال : قال عبد الملك بن مروان : من أراد أن يتخذ جارية للتلذذ فليتخذها بربرية و من أراد أن يتخذها للولد فليتخذها فارسية و من أراد أن يتخذها للخدمة فليتخذها رومية
و قال أبو عبيدة : لما أنشد الأخطل كلمته لعبد الملك التي يقول فيها :
( شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... و أعظم الناس أحلاما إذا قدروا )
قال : خذ بيده يا غلام فأخرجه ثم ألقي عليه من الخلع ما يغمره ثم قال : إن لكل قوم شاعرا و شاعر بني أمية الأخطل و قال الأصمعي : دخل الأخطل على عبد الملك فقال : ويحك ! صف لي السكر قال : أوله لذة و آخره صداع و بين ذلك حالة لا أصف لك مبلغها فقال : ما مبلغها ؟ قال : لملكك يا أمير المؤمنين عندها أهون علي من شسع نعلي و أنشأ يقول :
( إذا ما نديمي علني ثم علني ... ثلاث زجاجات لهن هدير )
( خرجت أجر الذيل تيها كأنني ... عليك أمير المؤمنين أمير )
قال الثعالبي : كان عبد الملك يقول : ولدت في رمضان و فطمت في رمضان و ختمت القرآن في رمضان و بلغت الحام في رمضان و وليت في رمضان و أتتني الخلافة في رمضان و أخشى أن أموت في رمضان فلما دخل شوال و أمن مات
و ممن مات في أيام عبد الملك من الأعلام : ابن عمر و أسماء بنت الصديق و أبو سعيد بن المعلى و أبو سعيد الخدري و رافع بن خديج و سلمة بن الأكوع و العرباض بن سارية و جابر بن عبد الله و عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و السائب بن يزيد و أسلم مولى عمر و أبو إدريس الخولاني و شريح القاضي و أبان بن عثمان بن عفان و الأعشى الشاعر و أيوب بن القرية الذي يضرب به المثل في الفصاحة و خالد بن يزيد بن معاوية و زر بن حبيش و سنان بن سلمة ابن المحبق و سويد بن غفلة و أبو وائل و طارق بن شهاب و محمد بن الحنيفة و عبد الله بن شداد بن الهاد و أبو عبيد بن عبد الله بن مسعود وعمرو بن حريث و عمرو بن سلم الجرمي و آخرون |